كان عقلي الصغير يوهمني أن البحر ينتهي عند منتهى النظر، وكنت أظن واهماً
أنّ الشمس وقت المغيب تغسل وجهها بماء البحر، وتستريح بعد ذلك من عناء
عملها طوال النهار فتنام ليلاً حتى مطلع الفجر.
اعتقدت طويلاً، ولم
أسأل الناس متحققاً من صحة اعتقادي، ربما لأنني أحب دائما الاحتفاظ
بخيالاتي "المتحمسة" كيلا تدوسها خيول الحقيقة.. اعتقدت - واهما أيضاً -
أنّ خط نهاية البحر الوهمي في عقلي يسكن سداً صلبا، يحول دون تسرب الماء من البحر فلا يتحول الى وادٍ سحيقٍ عميقٍ.. سداً يقف كالجبل الشامخ، يحجز الماء عن تدفقه...
ظننت أن العالم ينتهي عند هذه النقطة.. وأن الماء لو تسرب من فجوة ما لسال في الفضاء..
ياااه.. يا له من خيال مضحك..
ومع ذلك لم أكن أريد تغيير "الحقيقة"..
لكني اكتشفت - غصباً عني - أنّ الأحلام شيء و"البحر" شيء آخر..
عندما أصطحبني أبي برحلة بحرية بالحاح شديد مني.. نظرت الى بعيد بعيد..
وكلما أوغلت السفينة في أعماق البحر؛ ابتعد السد الوهمي عني حتى كاد يتلاشى.. وكنت أظنني أقترب منه..
لم أجرؤ على البوح بهذا الوهم "الحقيقة"..
وددت الصراخ بأعلى صوت.. آمر البحارة بأن يقودوا السفينة نحو "السد"..
كانت ضربات قلبي تشتد بارتفاع السفينة وهبوطها..
صعدت الى أعلى مكان في السفينة.. ساعدني أحد البحارة لأصل الى منارة
السفينة... أعطاني منظاراً كبيراً.. اعتقدت أخيراً أني سأشاهد نهاية
البحر.. أعتقد البحار أنني سعيد بما أراه من بحر عظيم.. صرت أبحث في كل
اتجاه.. أبحث عن نهاية البحر، لا عن هيبته وجلاله..
تخيّلت في عقلي الصغير كيف يمكن للبحر أن يتجمد في نقطة ما من الأرض، ويصبح صلباً كالصخر..
وفيما بعد اكتشفت وهم طفولتي.. أحلام نهايات البحر..
وحزنت عندما اكتشفت: براءة الأحلام من حقيقتها..