المنهج التاريخي .
يرجع اهتمام الباحثين بالمنهج التاريخي كونه يتسع لأكثر من مجال من مجالات العلوم الإنسانية المختلفة .
والأسلوب التاريخي في البحث يصف ويسجل ما مضى من وقائع و أحداث ويدرسها ويُحللها ويعطي لها التفسير وفق أسس من المنهجية العلمية ، التي لا تقف عند فهم الماضي وإنما تساعدنا ـ أيضاً ـ في فهم الحاضر بل و التنبؤ بالمستقبل . أو بمعنى آخر إن البحوث التاريخية تقوم على الاستردادية للواقع الذي مضى وربطه بالحاضر القائم أو المستقبل القادم .
وعليه فإن المهمة التاريخية تستعيد في الذهن وبطريقة عقلية ما جرت عليه أحداث التأريخ ، أي أن تجارب الماضي كما حدثت بنوع من التخيل ولكنه ليس تخيلاً مبدعاً بل يجب أن يقوم على أساس ما خلفته أحداث الماضي من آثار ، ذلك أن ما كان لا يمكن استعادته يمكن أن يُستعاد نظرياً بنوع من التركيب ابتداءً مما خلقته من وقائع يعمل الذهن فيها أحيانا والخيال المبدع أحيانا أخرى .
الفرق بين الأسلوب التاريخي و الأسلوب العلمي .
يتبادر إلى الذهن ـ دائماً ـ تسأل حول ما إذا كان الأسلوب التاريخي أسلوباً علمياً يعتمد على المنهجية العلمية في دراسة الظواهر و المشكلات و الأحداث ، و الوصول بتلك الدراسة إلى إطلاق الفروض و استخلاص النتائج .
وللإجابة على ذلك السؤال نقول : إن هناك ثمة فرق بين الأسلوبين وثمة اتفاق بينهما . ويرجع ذلك الاختلاف وذلك الاتفاق لكون الأسلوبان يضمان في جوانبهما سمات تميزهما عن بعض مما يُعطي لكل منهما جانباً من الخصوصية و التفرد .
وحول هذه القضية ، فإن هناك وجهتا نظر :
النظرة الأولى :
تكمن في أوجه الاتفاق بين الأسلوبين في الأمور التالية :
1) انتقاء المشكلة وتحديدها .
2) وضع الفرضيات اللازمة لتفسير الظاهرة .
3) جمع المعلومات .
4 ) نقد المادة .
5 ) تفسير واستخلاص النتائج .
النظرة الأخرى :
تتمثل في أوجه الاختلاف بين المنهج التاريخي و العلمي ، وذلك في عدة أمور :
1 ) الأسلوب التاريخي لا يعتمد على التجربة العلمية المضبوطة ، بمعنى أن الحقائق و الأحداث لا يمكن أن تكرر بصورتها ، وذلك بسبب اختلاف العوامل المؤثرة .
2 ) المصادر التاريخية في المعرفة غير مباشرة مثل الملاحظات العلمية ، بل تعتمد على الآثار و السجلات و الوثائق و المخطوطات وغيرها .
3 ) لا يستطيع الباحث التاريخي الوصول إلى كل الحقيقة ، وذلك لعدة أسباب منها ما يتعلق بالبعد الزمني و المكاني . ومنها ما يتعلق بصحة الأحداث وصعوبة الحصول على المادة التاريخية .
4 ) لا يمكن عن طريق الأسلوب التاريخي أن نُعم النتائج أو القوانين بالدقة التي يحصل عليها الباحث في الأسلوب العلمي وذلك لعدة أسباب منها :
تعقد البيانات الاجتماعية مقارنة بالبيانات الطبيعية .
الطبيعة المتغيرة للظواهر الاجتماعية مقارنة بالثبات النسبي للبيانات العلمية .
ضياع كثير من المعلومات التاريخية .
نقد المادة التاريخية
تكون المادة التاريخية المجموعة من قبل الباحث أهمية خاصة ، كون الباحث يسعى إلى الهدف الذي يصبو إليه من خلال جمع تلك المادة وهذا الهدف يتمثل في الحقيقة التاريخية .
ويرى الدكتور وجيه محجوب أن نقد المادة التاريخية يأخذ عدداً من الخطوات المتسلسلة وهي كالتالي :
تثبيت زمن ومكان الوثيقة .
إعادة شكلها الأصلي .
تفسير اللغة التي كتبت بها الوثيقة .
معرفة شخصية الكاتب .
أن لا ينظر الباحث إليها بمنظور العصور الحديثة .
عدم التقليل من شأنها .
والنقد التاريخي يأخذ مستويين :
1 ) نقد خارجي
2 ) نقد داخلي
النقد الخارجي : يحاول الباحث نقد الوثيقة التاريخية التي حصل عليها ويضع حولها كثيراً من الأسئلة .
وهو يأخذ شكلين :
أ ) نقد التصحيح
ب ) نقد المصدر
نقد التصحيح : يقوم على أساس التحقق من صحة الوثيقة ، وما إذا كانت نسخة وحيدة أو أكثر من نسخة ، وهل هي بخط المؤلف أو بخط النساخ ............. إلخ
نقد المصدر : وهنا يحاول الباحث التعرف على مصدر الوثيقة ومؤلفها وتأريخها .
ولنقد المصدر قواعد هي :
أن نقوم بما يسمى التحليل الباطن .
ملاحظة الخط للمصدر ، لأن الخطوط تختلف حسب العصور .
النظر في اللغة من حيث خصائصها اللغوية .
ملاحظة الوقائع في المصدر من حيث الزمان .
ملاحظة الاقتباسات السابقة .
ملاحظة الحشو و الزيادة ومراجعة المؤلف الأصلي .
معرفة المصادر التي صدرت عن المصادر الأصلية .
النقد الداخلي :
يهتم بالوثيقة وأصالتها من الداخل ، وهذا الداخل يشمل دقة المعاني و الرموز والمحتويات الأخرى التي تثبت أصالتها كاللغة المستخدمة و معانيها بالنسبة لعصرها ، وهل حافظت على ذلك المعنى في العصر الحاضر أم فقدت هذا المعنى مع مرورالزمن . كذلك معرفة بلد المؤلف أو الكاتب مهمة لتفهم الخلفية السياسية و الاجتماعية و النفسية و الاقتصادية التي أثرت على الكاتب ومعالجته للمشاكل